الجمعة 27 شوال 1441 هـ

الموافق 19 يونيو 2020 م

 

الحمد لله الحليم الرحيم؛ دافع البلاء، وكاشف الضراء نحمده سبحانه على الرحمة والنعماء ونستعين به على البأساء والضراء، ونستغيث به لرفع الوباء والفتنة والبلاء؛ فهو غوث المستغيثين، وعون العاجزين، وملاذ المضطرين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ يغدق النعم على عباده فلا يشكرون، ويدفع البلاء عنهم فيعرضون، وإذا اضطروا إليه مع أعراضهم، غلبت رحمته غضبه فأجاب دعوتهم، وكشف كربتهم، ودفع البلاء عنهم، (لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله؛ أكثر الناس رجاء لله تعالى، وتوكلاً عليه، ورغبة فيه، وثقة به؛ صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أمّا بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: بعد عناء من السفر الطويل، ترك نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام زوجته وابنه الرضيع إسماعيل، في أرض لا ثمر فيها ولا ماء، في بقعة حارة جرداء، لا حياة فيها إلا صوت حفيف الهواء، ثم قفل راجعاً ميمِماً نحو الشام، فلحقته زوجته هاجر تسأله: (يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي، الذي ليس فيه إنس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مراراً، وجعل لا يلتفت إليها، فقالت له بكل ثقة بربها: الله الذي أمرك بهذا؟ قال نعم، قالت: إذن لا يضيعنا.  وحينما ألقي إبراهيم عليه السلام في النار كان على ثقة عظيمة بالله؛ حيث قال: (حسبنا الله ونعم الوكيل)، فكفاه الله شر ما أرادوا به من كيد، وحفظه من أن تصيبه النار بسوء؛ قال تعالى:(قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ) ما أجمل الثقة بتدبير الله، وما أروع التسليم لما قضى الله، وما أحوجنا في زمن الأوبئة والأدواء والأسقام أن نعزز هذه المعاني الإيمانية التي غابت عن كثير من النفوس البشرية. فعقيدتنا تعلمنا أن الله لا يكتب شراً محضاً، ويقيننا بربنا أن الخير فيما اختاره الله، ونبينا محمد صلوات ربي وسلامه عليه، قد أرشدنا إلى أن أمر المؤمن كله خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له.. الثقة بتدبير الله تزيد النفس صفاءً والروح نقاءً، والإيمان رسوخاً وبقاءً.. إذا امتلأ قلب العبد رضاً بتدبير الله نزلت عليه سكينة الطمأنينة، فهدأت نفسه، واطمأن فؤاده، وتيقن حينها وبعدها أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.. إذا قنع العبد بتدبير الله تعالى في كونه وخلقه، علم أن حكم الله تعالى تأتي مع البلاء، وأن كل ألم وعناء لا يدوم ولن يكون له البقاء، فما بعد العسر إلا التيسير، وكل أمر له وقت وتدبير.. (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ * ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).

 

دَعِ الْمَقَادِيرَ تَجْرِي فِي أَعِنَّتِهَا

وَلَا تَبِيتَنَّ إِلَّا خَالِيَ الْبَالِ

مَا بَيْنَ غَمْضَةِ عَيْنٍ وَانْتِبَاهَتِهَا

يُغَيِّرُ اللَّهُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ

أيها الأخوة والأخوات في الله: حسد إخوة يوسف أخاهم وألقوه في غيابة الجب، وحرموه من حنان الأم والأب، وابتلي بالرمي في البئر، وابتلي بالإغراء في القصر ثم ابتلي بالسجن والقهر، وبعد سنين من الآلام قال الملك: ائتوني به، فجعله على خزائن مصر، وأصبحت عيون الناس ترمق يوسف وتطلب وده..

ويعقوب عليه السلام قد فقد حبيبه وقرة عينه: يوسف عليه السلام، ثم فقد بعده الحبيب الثاني بنيامين، فاشتد عليه الحزن حتى فقد حبيبتيه أي: عينيه على فقد ولديه الكريمين، ومع هذا كله لم يفقد ثقته بالله تعالى ولم يقنط ولم ييأس، بل قال لأولاده: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) فرد الله عليه بصره ورد إليه ولديه الحبيبين..

وهذه أم موسى عليهما السلام أيضاً تضرب مثلاً آخر في الثقة بالله تعالى، فهي لما خافت على ولدها من ذبح فرعون ألهمها الله تعالى أن تلقي فلذة كبدها في الماء الذي هو مظنة الهلاك المحقق، ثم لو سلم فلا تدري إلى أين سيأخذه الماء! لكن الله تعالى ألهمها أن تلقي موسى الرضيع في اليم، فلثقتها بالله تعالى وبوعده الذي وعدها برده ألقته وانتظرت تحقق وعد الله الذي لا يخلف الميعاد، فرجع إليها سالماً غانماً، وكان الإكرام والمكانة المرموقة لأسرته لدى فرعون. قال تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ * فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ * وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ * فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)

عباد الله: زفرت مريم بنت عمران كلماتها وهي تعالج ألم المخاض:(يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا، وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّاً) ، ولم تعلم أن في بطنها رسولاً نبياً..

أيها المسلمون: فقد النبي صلى الله عليه وسلم عمه وزوجه في عام، ورمي بسلا الجزور على ظهره وهو ساجد فما قام، وأخرج بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم مهاجرا إلى المدينة فآوى إلى الغار، تلاحقه عداوة ومطامع المعتدين والكفار، ليعود إليهم بعد سنوات فاتحاً عزيزاً، وممتنا عليهم وكريماً. فحفظ الله نبيه من كيد الكفار، وحرسه بعينه التي لا تنام؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه حدثه، قال: نظرت إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار، فقلت: يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلى قدميه، لأبصرنا تحت قدميه، فقال: يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما؛ إنها ثقة الحبيب صلى الله عليه وسلم  العظيمة بالله، ولذلك خاف أبو بكر الصديق  رضي الله عنه أن يصاب النبي  صلى الله عليه وسلم  بأذى فرد عليه بلسان الواثق بوعد الله: (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)  وفعلاً كان الله مع نبيه  عليه الصلاة والسلام  فحفظه وأيده ونصره وجعل العاقبة له ولأتباعه من المؤمنين والمؤمنات، وصدق الله العلي العظيم:(إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)

أيها المؤمنون: ضاق المسلمون يوم صلح الحديبية، من معاملة كفار قريش للمسلمين وصدهم لهم عن المسجد الحرام، وجعل عمر رضي الله عنه يجادل ويراجع: لم نعط الدنية في ديننا؟ حتى كاد الناس يقتل بعضهم بعضاً، لما حلقوا رؤوسهم حزناً وغماً فنزلت البشارة من الروح الأمين، بقول رب العالمين: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا. فثق يا عبد الله أن كل ما قدر الله فهو حتم حاصل، لا يرده قلق، ولا يجلبه حرص، فلا تذهب نفسك حسرات على رزقك، ولا يمتلئ وجدانك كدرا خوفا على أجلك… ثق أن الرزايا والبلايا تحمل في طياتها العطايا، وأن الأمنيات تأتي بعد المشاق والمتاعب، وإن طال أمدها ستأتي في الوقت المناسب. ثق بتدبير الله لك، وتيقن أن كل قدر مكتوب، فهو خير وإن خالف ما هو محبوب، فقد يكون موت من يعز عليك من الأهل أو الأصدقاء أو الأقرباء، واعظاً لترجع وتصحح مسارك قبل أن تفارق كل حبيب… قد يكون الدخلُ القليلُ في مالك، جامحاً لشهواتك وأهوائك.. قد يأتي المرض في بدنك، ليبلغك الله درجات في الجنة لا يبلغها عملك، وقد يكون المنع خيراً لك من العطاء، (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ) فلا تعترض على شيء من قدر الله، ووطن نفسك، ورطب لسانك بالشكر والتحميد على كل أمر مؤلم وشديد… فلولا الشدائد لما عرف الناس قيمة الرخاء… ولولا الجدب لما استبشر البشر بالماء… ولولا الظلام ما فرح الناس بالضياء… ولولا المخاوف لما عرفت لذة الأمان.. ولولا المصائب لورد الناس لربهم يوم القيامة مفاليس.

أيها المؤمنون: إن الثقة بالله تعالى وتدبيره لا تعني تعطيل الأسباب، وانتظار القدر المنجي بدون سعي وعمل لجلب المرغوب ودفع المرهوب، وإنما الثقة بالله تعالى تعني: أن تفوض أمرك إليه، وتعلق قلبك به، وتتوكل في أمرك كله عليه وتبذل ما في قدرتك ووسعك من الأسباب لتحصيل المحبوبات ودفع المكروهات، ولذلك قال نبي الله صلى الله عليه و سلم: (لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُوا خِمَاصاً وَتَرُوْحُ بِطَاناً) ومعنى: تغدو خماصاً، تذهب أول النهار خالية بطونها من شدة الجوع. وتروح بطاناً، تعود آخر النهار ممتلئة بطونها لأنها قد شبعت.

أيها الأخوة والأخوات في الله: إن الخطأ كل الخطأ في فهم هذا الأمر لدى طائفتين من الناس: الطائفة الأولى: اتجهوا إلى العمل بالأسباب واثقين بأنفسهم وما عندهم من القدرة، وتركوا الاعتماد على الله تعالى.

وهذا تخل عن الله ووثوق بالنفس، ومن توكل على غير الله وكله الله إلى من توكل عليه، وليس له عند ذلك إلا الذم والخسارة.

والطائفة الأخرى: وثقت بالله ثقة مغلوطة بحيث انفصلوا معها عن العمل بالأسباب وقعدوا ينتظرون. وهذا هو التواكل الذي يذمه العقل والشرع. وكلتا الطائفتين على خطأ، والصواب هو تعليق القلب بالله تعالى وفعل ما يستطاع من الأسباب الممكنة المشروعة.. نسأل الله تعالى أن يبصرنا بديننا، وأن ينمي في قلوبنا الثقة بربنا، وأن يصلح بذلك جميع أحوالنا.

نفعني الله وإياكم بالقران العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد فيا أيها المسلمون والمسلمات: إن الثقة بالله تعالى وتدبيره، خلق كريم ، وكنز عظيم، ومنزلة من منازل الإيمان العالية، إذا ظفر بها المسلم وصل إلى الراحة والسعادة، وذهاب القلق والهموم والغموم، وزاد إيمانه وكثر إحسانه.. والثقة بالله: هي اليقين الثابت بكمال الله، بصفات الجلال والجمال، وبصدق وعده، وعظيم قدرته، وإحاطة علمه بكل شيء.. والثقة بالله تعالى : هي اطمئنان قلبي لا يخالطه ريب، وتسليم مطلق لمن يصرف أمور خلقه وحده.. الثقة بالله تعالى : هي ألا تسعى في طمع ولا تتكلم في طمع، ولا ترجو سوى الله، ولا تخاف ولا تخشى إلا الله،  والثقة بالله تعالى : هي معراج وثيق يصل بين العبد وربه، يصل به إلى المحبوبات والمرغوبات، وينجو به من المكروهات والمرهوبات.. والثقة بالله تعالى: هي صرح شامخ في قلب المؤمن لا تهزه عواصف المصائب والمحن بل تزيده شموخاً ورسوخاً.

والواثق بالله تعالى يعتقد أن الله تعالى إذا حكم بحكم،  أو قضى أمراً، فلا مرد لقضائه، ولا معقب لحكمه، فتعلق العبد بخالقه ومعبوده سبحانه وتعالى مطلب من مطالب العبودية لله جل وعلا، وعلى قدره يكون تأييد الله تعالى ونصره وقربه وعونه لعبده.

ومن الثقة بالله تعالى : أن يوقن العبد أن الله تبارك وتعالى سيُثيبه ثواباً جزيلاً على أعماله الصالحة؛ التي فعلها ابتغاء وجه الله، مقتفياً فيها لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم..   أيها المؤمنون: كل مخلوق في هذه الدنيا معرض للمكدرات والمنغصات، ولن تسلم نفس من الفتنة والابتلاءات، قل ذلك، أم كثر، صغر أم كبر، وبحسب ما في القلوب والجنان، يكون الابتلاء والامتحان، وإذا سلم الدين والإيمان، فكل مفقود قد صغر وهان.

فيا عبد الله من أجل نفسك، من أجل راحتك، من أجل سعادتك في مستقبلك ثق بتدبير الله، وكن مع الله في أمره ونهيه، واعلم أنك على الصراط المستقيم، حتى وإن ضاعت منك الدنيا كلها وأنت تتلمس رضا الله فما ضعت، وإن حزت الدنيا بزخرفها وأنت تتلمس سخط الله فقد خبت وخسرت وما ربحت.

وإذا أصبت بأي بلية أو لفكَ الهمُ قلقاً من حصولها، فهونها بثلاث: أنها لم تكن في دينك، وأنها لم تكن أعظم مما كانت، وأن الله يجزي عليها الجزاء الكبير. واعلم أن عناءك ودعواتك، ونصبك وأزماتك لن تضيع، وإنما ستأتي في اليوم الجميل، أو سيدخرها لك ربك بعد يوم الرحيل  (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا).

لِلَّهِ فِي الْخَلْقِ مَا اخْتَارَتْ مَشِيئَتُهُ

مَا الْخَيْرُ إِلَّا الَّذِي اخْتَارَهُ اللَّهُ

إِذَا قَضَى اللَّهُ فَاسْتَسْلِمْ لِقُدْرَتِهِ

مَا لِامْرِئٍ حِيلَةٌ فِيمَا قَضَى اللَّهُ

تَجْرِي الْأُمُورُ بِأَسْبَابٍ لَهَا عِلَلٌ

تَجْرِي الْأُمُورُ عَلَى مَا قَدَّرَ اللَّهُ

إِنَّ الْأُمُورَ وَإِنْ ضَاقَتْ لَهَا فَرَجٌ

كَمْ مِنْ أُمُورٍ شِدَادٍ فَرَّجَ اللَّهُ

إِذَا ابْتُلِيتَ فَثِقْ بِاللَّهِ وَارْضَ بِهِ

إِنَّ الَّذِي يَكْشِفُ الْبَلْوَى هُوَ اللَّهُ

اللهم أرزقنا حسن التوكل عليك، والثقة بك، و صدق اللجوء إليك..اللهم أرزقنا اليقين وحسن الظن بك، وثبت رجائك في قلوبنا، واقطع رجائنا عمن سواك، حتى لا نرجو غيرك، ولا نثق إلا بك  يارب العالمين… اللهم إنا نعوذ بك من الهم و الحزن، و نعوذ بك من العجز و الكسل، ونعوذ بك من الجبن و البخل، و نعوذ بك من غلبة الدين و قهر الرجال… اللهم ضاقت بنا المسالك، وأحاطت بنا المهالك واشتدت بنا الأزمات، واستحكمت حلقاتها، وأزفت الآزفة ليس لها من دونك كاشفة، فاكشف اللهم غمتنا، وفرج كربتنا وأغث لهفتنا برحمتك يا أرحم الراحمين… اللهم ارفعْ وأدفع عنَّا البَلاءَ والوَباءَ والغلا والرِّبا والزِّنا، والفواحشَ والزَّلازلَ والمِحَنَ والفتنَ، وسَيءَ الأسقَامِ والأمراضِ، عن بلدِنا البَحرينِ خاصةً، وعن سَائرِ بلادِ المسلمينَ عامةً يا ربَّ العالمينَ.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم آمِنَّا في وطننا وفي خليجنا، اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفق ولاة أمورنا وفق ملكنا حمد بن عيسى، ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان، وولي عهده سلمان بن حمد، وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين..

اللهم وفِّق المسئولين والعاملينَ والمتطوعين في فريق البحرين الوطني في القطاع الصحي والطبي والعسكري والأمني والإعلامي والتطوعي،  وأَعِنْهم وانفع بهم، وبارك في جهودهم، وأحفظهم من كل سوء ومكروه، وأحفظ  بلادنا وبلاد المسلمين وبلاد العالم أجمعين من الأوبئة وسيئ الأسقام، ومّن بالشفاء والعافية على المصابين بهذا الوباء، وارحم المتوفين به، وعجل بانتهائه في القريب العاجل برحمتك وفضلك وجودك يا أرحم الراحمين. اللهم انصر عبادك المستضعفين في كل مكان، اللهم أنقذ المسجد الأقصى من عدوان المعتدين، ومن احتلال الغاصبين، اللهم اجعله شامخاً عزيزاً إلى يوم الدين.

اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ونفس كروبنا، وعاف مبتلانا، واشف مرضانا، وارحم الله موتانا برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين…

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ  وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

   خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين